أونغ سان سو تشي والمصير المضطرب لبورما

إعداد صباح إمام

كانت تلقب نفسها ب”ابنة أبي”
ولم يكن دخول سو تشي المعترك السياسي مبرمجًا.
فبعد اغتيال والدها في 1947 عندما كانت في الثانية من العمر، أمضت الفترة الأولى من حياتها في المنفى، في الهند أولا ثم في بريطانيا.

وفي البداية، عاشت حياة ربة منزل نموذجية، بزواجها من استاذ جامعي متخصص في شؤون التيبت في جامعة اوكسفورد، ووالدة لطفلين صغيرين.

ولدى توجهها الى بورما في نيسان 1988 للاهتمام بوالدتها المريضة، وصلت في خضم الانتفاضة على المجلس العسكري وقررت الانخراط في رسم مصير بلادها

وقالت في أول خطاب ألقته في معبد شويداغون في 1988 وشكل لحظة ولادة اسطورة سوتشي: “لا استطيع، بصفتي ابنة ابي، أن أبقى غير مبالية حيال كل ما يجري”

وبالنسبة إلى البورميين الذين واجهوا قسوة الحياة أيام المجلس العسكري الذي عزل البلاد عن العالم، فإن سوتشي تجسد اليوم “آمالهم بعودة الديموقراطية”، بحسب فيل روبرتسون ممثل هيومن رايتس ووتش.

وقد سمح لها بأن تؤسس الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية. لكن سرعان ما وضعت تحت الاقامة الجبرية. وشهدت من بعيد فوز حزبها في انتخابات 1990 التي رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائجها

  • قوة استبدادية –
    وأمضت سنوات الاقامة الجبرية، في منزلها الذي كان على مقربة من بحيرة في وسط رانغون، حيث سمح لعدد قليل جداً من الأشخاص بزيارتها، واحيانا لابنيها اللذين بقيا يعيشان في بريطانيا مع والدهما.
    وتوفي الوالد بمرض السرطان، من دون ان تتمكن زوجته من الذهاب الى بريطانيا لوداعه، خشية ألا يسمح لها بالعودة الى بورما.

في عام 1991، حازت جائزة نوبل للسلام. لكنها لم تستطع الذهاب إلى أوسلو لتتسلمها، وانتظرت أكثر من 20 عاما لتفعل ذلك

وفي 2010، افرج عنها بعد 15 عاما في الاقامة الجبرية، أمضت سبعا منها بصورة متواصلة.

إلا أن ممارستها السياسة مع دخولها البرلمان في 2012 نتيجة انتخابات فرعية، أدى الى تلطيخ سمعتها باعتبارها رمزاً للنضال من أجل حقوق الانسان، خصوصاً في الخارج

وشهدت البلاد تغييرات كبيرة منذ انفتاحها في 2011. لكن “اثنين من العوامل الكبيرة لم يتغيرا، هما الهالة الآسرة لسو تشي بسبب أهمية عائلتها، والسنوات التي امضتها رهن الإقامة الجبرية والتأثير الدائم للنخبة العسكرية”، على ما قال الخبير السياسي نيكولاس فاريلي

والآن، في سن الخامسة والسبعين، ينفتح أمامها فصل آخر
فكانت رمزا للديموقراطية قبل أن تصبح منبوذة من الأسرة الدولية بسبب مأساة مسلمي الروهينغيا في بلادها لتقع مجددا اليوم في قبضة العسكريين

وأوقفت “سيدة رانغون”، الرئيسة الفعلية لحكومة البلاد المدنية منذ العام 2016، فجرا مع مسؤولين آخرين في حزبها الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية.

وكانت المعارضة السابقة البالغة 75 عاما تتوقع منذ أيام حصول انقلاب. فارتدت ثوب المناضلة مجددا تاركة رسالة لمواطنيها نشرها حزبها الاثنين حضتهم فيها على “عدم القبول “بالانقلاب”

وقالت أونع سان سو تشي في مقابلة مع وكالة فرانس برس عام 2015: “انا لا أؤمن بالأمل أؤمن فقط بالعمل الدؤوب (…) فالأمل وحده لا يفضي إلى أي مكان”

بعد أشهر على ذلك، فاز حزبها الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية في انتخابات تاريخية وحملت أونغ سان سو تشي بعد ثلاثين عاما في صفوف المعارضة، إلى قمة السلطة التنفيذية

وكان يفترض أن تحافظ على هذا الموقع بعدما سجل حزبها مجددا فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني. لكن الجيش قرر عدم حصول ذلك وأعلن حالة الطوارئ ووضع جنرالاته في السلطة

خلال تلك السنوات على رأس البلاد، واجهت أونغ سان سو تشي اختبار السلطة، وأجبرت على التعامل مع الجيش القوي الموجود على رأس ثلاث وزارات رئيسية (الداخلية والدفاع والحدود)

إلا أن صورة أونغ التي قورنت في الماضي بنيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ، تلطخت بشكل دائم بسبب مأساة مسلمي الروهينغيا.

فقد فر 750 ألف فرد من هذه الأقلية من انتهاكات الجيش والميليشيات البوذية في العام 2017 ولجأوا إلى مخيمات موقتة في بنغلادش، وهي مأساة أدت إلى اتهام بورما بارتكاب “إبادة جماعية” في محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة

وحضرت أونغ سان سو تشي التي تنفي “أي نية للإبادة الجماعية”، شخصيا للدفاع عن بلادها في المحكمة

وقد أثار افتقارها للتعاطف في هذه القضية غضب المجتمع الدولي، لكن “الأم سو” احتفظت بثقة شعبها كما قالت برغم من الظلم والتهجير الذى طال الإقليمية المسلمة.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى