كتبه: أحمد الدماطي
في حياةِ كُلٍّ مِنَّا رسائلُ تأتيِه، وقَدْ يكونُ أكثرُ تلكَ الرسائلِ مَخْبوءًا غَيْرَ مُعْلَنٍ، وهِيَ برأيي منْ أصْدَقِ الرسائلِ، وأبلَغِها تأثيرًا، ولعلَّ الدعواتِ الصادِقةَ بظهْرِ الغَيْبِ مِنْ أنْبَل وأرقَى ما نتلمَّسُ أثَرَه في مواقِفَ شِدادٍ، تُؤازِرُنا فيها دَعْوةٌ صادِقةٌ، تَربِطُ على قُلُوبِنا، تُثبِّتُ على الحقِّ خَطْوَنا.
كَمْ نُدِركُ في مواقِفَ عديدةٍ أنَّ ألطافًا خفيَّةً تحيطُ بِنا، ودعواتٍ نقيَّةً تُثلِجُ صُدُورَنا، وإنْ لم نَعْرِفْ أصحابَها، ولم يُعلِنوا عنها!
ولا شكَّ أنَّ إعلانَ المودَّةِ باللسانِ، وإبلاغَ المحبَّةِ لأهلها أمرٌ مرغوبٌ، لقول النَّبِيّ الكريم : ” إذا أَحبَّ أَحَدُكُم أخَاهُ، فَلْيُعْلِمْهُ”، ولهؤلاءِ المحبِّين المعلنينَ المحبَّةَ الظاهرة دعواتٌ مخبوءةٌ أيضًا، إنْ أبان عن بعضها لسانُ حالِهم والمقالُ، لَم يُفصحوا عن رسائلَ كثيرةٍ من الخير، يأتيكَ أثرها، ولا يَمُنُّون- نُبلاً- بها.
مواقِفُ كثيرةٌ عَنْكَ تخْفَى، يأتي فيها مَنْ يَرُدُّ غَيْبَتَكَ، أو مَنْ يَدفَعُ عَنْكَ ظُلْمًا ما كانتْ لكَ طاقةٌ في استِدفاعِهِ، أو مَنْ يَصْرِفُ عَنْكَ كَيْدًا، أو يُخزِّلُ عَنْكَ عَدُوًّا. مواقفُ يتصدَّرُ لها النُّبلاءُ المُخلصُون، لا يَرجُون من ورائها شُكرانًا، ولا يسْعَوْنَ بها مَنًّا، ولا ينتظرونَ لها حَمْدًا، وتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنْ أعظَمِ النِّعَمِ، أنْ يُقيِّضَ اللهُ لكَ مَنْ يُستَدْفَع بِهم الضُّرُّ، ويُتحصَّلُ بهم الخَيْرُ، ويُنْشَرُ بهم الفَضْلُ. ولعلَّ الأكثر تأثيرًا أن تكون تلكَ الرسائل المخبوءةُ المُحمَّلَةُ بالخَيْرِ مِمَّنْ لم تَتَّصِل بهم أسباب ظاهرة، أو مصلحة حاضِرَةٌ، بل يكُونُ دَفْعُهم ودِفاعُهم؛ إحسانًا لِظَنٍّ، وصَفاءَ طَوِيَّةٍ.
ولَعلَّنا في أيَّامِ اللهِ المُباركَةِ هذهِ، أيَّام عِيدٍ وفَرْحَةٍ، أحْوَج ما نكُون لأنْ نُهْدِي صادِق الدعواتِ لأولئكَ النُبلاء الذينَ نَجِدُ أثَرَهُم في حياتنا توفيقًا وسَدادًا، ونُصحًا وإرشادًا، نبلاءُ قدْ نَعْرِفُ بعضَهمِ لظاهرٍ نبيلٍ بدَا منهم في مواقفَ عظيمة، ونُبلاءُ لا نَعْرفُهم، ومَخبوءاتُهم الطيِّبَةُ جليلةُ الأثَرِ، فلأولئكَ المعروفينَ في السَّماء، وإنْ غَفَل عَنْهم أهلُ الأرضِ، لَهُم مِنَّا عظيم الامتنانِ وصادِق الدَّعْواتِ، ونسألُ اللهَ لهُم الخَيْرَ حيثُ حَلُّوا وارتَحلُوا.