ستبقى في قلوبنا.. أميرا للانسانية

بقلم الدكتور عيسى محمد العميري
كاتب كويتي

ستبقى في قلوبنا أميراً للإنسانية.. فتغمدك الله بواسع رحمته.. وأسكنك فسيح جنانه.. أرثيك يا أميري.. بدموعي ودمي وقلبي.. ولسوف تجف دموعي ومآقيي، وهل في جنة الله التلاقي، أراك على الأرائك في نعيم بإذنه تعالى.. فإن كان سبحانه وتعالى منحنا الحياة فهو لايمكن أن يسلبها بالموت، فلا يمكن أن يكون الموت سلباً للحياة، وإنما هو انتقال بها الى حياة بعد الموت ثم حياة أخرى بعد البعث ثم عروج في السموات الى ما لانهاية.. لأميري.. أمير الإنساني جمعاء.. فلتبكي اليوم كل الإنسانية في موت سيدي وأميري، وليبكي معي حزنا على تاج راسي، وأسألكم عيوناً غير عيوني لكي أبكي بها.. فقد جفت مدامعي من هول هذا المصاب الجلل في ممات هذا الأمير والوالد والقائد… الذي أفنى حياته لخدمة وطنه أبناء وطنه وأمته الإسلامية والإنسانية..

أقول.. عندما يرحل العظماء من أمثال الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.. تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها وإنسانيتها في ربوع العالمين. فعندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم قلوبنا.. فما بالك بأمير الانسانية وقائدها، لكونهم حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة الإنسانية والبشرية.. إننا اليوم لا نرثي رجلا عاديا أو شخصية عادية.. أو حتى أحد رموز الأمة المترامية من المحيط إلى المحيط.. بل نرثي أمير الإنسانية جمعاء..

وإننا نقف اليوم بمشاعر عميقة تشتعل فيها الحسرة والألم في موقع رثاء رجل بأمة.. رجل أحيا إنسانية افترستها وحوش التغريب والتحلل القيمي والعقدي في حقبة المتغيرات المتسارعة، وعمل ليل نهار لخدمة قضايا أمته، وشعبه، وأبناء وطنه.. فلقد كان واحداً من العظماء الذين أنجبتهم دولة الكويت في القرن العشرين، ووهبتهم شمائل وحبتهم بقدرات وطاقات متميزة ارتقت بهم إلى قمة المجد وذرى العمل والتضحية والعطاء اللامحدود. فهو رجل ليس ككل الرجال، ورمز ليس ككل الرموز، فما سوف يتركه من إرث فذ بين دفتي كتاب حياته الذي تتقاطر من صفحاته المضيئة كل صور العطاء والإبداع، يضعه -حتما ودون جدال- في المرتبة الأسمى التي لا يجاوره فيها أحد.. لقد مثّل الفقيد مدرسة فكرية كبرى متكاملة الأبعاد والزوايا، وموسوعة سياسية شاملة طبعت بصماتها المؤثرة في كل مكان، وتركت آثارها العميقة في حياة الانسانية والأمة جمعاء. لم تقتصر حياة فقيد الانسانية والأمة على المواقف الثابتة والقدرات الفكرية والسياسية الباهرة، بل إنه مثّل الفكر والسياسة، امتلك مرونة دبلوماسية مدهشة صقلتها المحن والخطوب والتجارب والخبرات، ليشكل شخصية بديعة ذات ملامح ومكونات متكاملة تُوّجت بكاريزما ذاتية وحضور لافت لا يختلف في جدارتها وأهليتها أحد.

إنه قد يصعب رثاء هامة كبرى مثل فقيد الانسانية الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الذي أفنى جزءاً كبيراً من حياته في نصرة دينه وقضايا أمته المصيرية.. فجهوده الديبلوماسية التي لم تكل أو تهدأ يوماً في جميع بؤر الخلاف العربي والدولي ابتداءاً من رأب الصدع العربي في اليمن والخليج ولبنان وساهم في تثبيت استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها.. في خطوة قلما نجد لها مثيلاً وفي أثر قلما نرى نظيره بين شخصيات العالم أجمع.. واليوم سوف تفتقد الانسانية كثيرا “الرجل الأمة” فقد خرّج فقيد الانسانية أجيالا من القادة النجباء والمفكرين النبلاء الذين رفعوا راية العزة والكرامة والحرية عاليا، وحملوا على أكتافهم مهمة إعادة بناء الكويت الحضارة والحرية بعيدا عن آفات التعصب البغيض. فلقد كان فقيد الانسانية قدوة للكلمة الحرة الأبية التي لاتخشى في الله لومة لائم.. ويلقيها لهدف إنارة الأفئدة والعقول والحكمة للأجيال القادمة.. فقد كانت كلماته مختصرة ومعبرة بشكل لامثيل له.. تلك الكلمات التي كان لها وضع بصمة وقيمة كبيرة في مسيرة ونهضة وطننا الحبيب وقدمت الخدمات الجليلة على صعيد الكلمة الحرة لأبناء هذا الوطن وأغنت المستوى الفكري والثقافي لعموم فئات المجتمع الكويتي، وشكلت الكلمات التي نشرها الفقيد على مدى حياته العملية الحافلة بالإنجازات والأعمال المميزة نبراساً للكلمة الحرة التي يتوجب كل من يتجه ويسير على هذا النهج أن يتخذها قدوة له لتساعده على مواجهة الحياة العملية المستقبلية. ولايسعنا إلاّ أن نتقدم لأسرة آل الصباح الكرام وعموم الشعب الكويتي وشعوب الأمة العربية والإنسانية.. رحمك الله يا فقيد الإنسانية وغسلك بالماء والثلج والبرد، وجعل مأواك الجنة مع الخالدين. والله ولي التوفيق.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
Scroll to Top
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x